الجمعة، 23 سبتمبر 2011

تونس الخضراء

بلد الزيتونة والياسمين وعويشه


سألني الاخ الكريم والصديق العزيز احمد المسكيني من ( تونس ) عن اسفاري إلى تونس فقال : ما الذي يميز تونس عن غيرها من البلدان التي زرتها ؟

فكانت إجابتي الاتية : كانت تونس الخضراء هي أول بلد اسافر إليه خارج الامارات فقد زرتها وأنا غلام يافع لم يطر شاربي بعد ، حين كنت طالبا في الصف الثالث الاعدادي في صيف عام 1979م ، و كانت تلك الرحلة بداية تعلقي بحب التجول والاسفار في هذه المعمورة فمن خلال سفرتي الأولي إلى تونس تعرفت مبكرا على فوائد السفر ومنافعه وآفاقه الرحيبة الواسعة .

ثم انني زرت تونس بعد تلك الزيارة بستة وعشرين سنة أي عام 2005 م فلكم أن تتخيلوا ماهي المشاعر والاحاسيس التي انتابتني وأنا أعود إلى نقطة البداية والانطلاق بعد هذا العمر ، ونزلت في نفس ( النزل ) الفندق الذي نزلت فيه قبل ٢٦ عام ( الهناء انترناشنال ) في شارع بورقيبة ، استرجعت في مخيلت ذاكراتي ذلك الغلام الاماراتي اليافع وهو يقطع هذه المسافة البعيدة جدا في ذلك الزمن وفي ذلك العمر ، في رحلة مدرسية كان عبارة مكافأة للطلبة الحائزين على التفوق والنجاح في شهادة ( الاعدادية العامة ) حاولت أن اكد هذه الذاكرة المنهكة والمثقلة بهموم شتىء ان تستدعي ما ثبت فيها من تلك الرحلة الموغلة في القدم فاذكر أنني طوال هذه السنوات لا اسمع باسم تونس إلا ويحضر لدي أمور ثمانية هي ما ارتبط عندي بتونس في ارشيف ذكرياتي والتي ما فتئت أتغنى ببعضها بين الفينة والأخرى وهي على النحو الآتي

١ . ( جامع سيدي عقبة بن نافع و جامع الزيتونة ) الاول في مدينة القيروان والثاني في تونس العاصمة هذين المسجدين اللذين أخرجا وخرجا للدنيا ثلة من افذاذ الرجال وعلماء الامة الذين بفضلهم بعد الله عزوجل فتحت البلاد وقلوب العباد في شمال افريقيا وبلاد المغرب العربي الكبير حتى بلاد الاندلس في اقصى الشمال الغربي إلى أواسط جنوب وغرب افريقيا ، إنك حين تدخل إلى هذين المسجدين المباركين تشعر أن كل حجر وكل اسطوانة وزواية تحدثك عن تاريخ شهدت عليه وقصة ايمان ونور وهداية انطلق منها ، هذين المسجدين أقول وبلا مبالغة هما ابو الاسلام وامه وضئره التي ارضعته فشب واستوى على سوقه في من طبرق في ليبيا شرقا إلى ساحل الاطلسي في المغرب الاقصى حيث خاض عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه بفرسه البحر وقال قولته المشهورة ( والله لو أني اعلم ان وراء هذا البحر أرض لخضته بفرسي هذا لنشر الاسلام ) فحين يذكر الناس بداية الفتح ومركز الحضارة والعلم والنور في مغرب الدنيا فان تونس قلعته وحسنه الحصين ومنارته

٢ . ( مقام الصاحبيين الجليلين رضي الله عنهما ) سيدنا أبولبابة بن عبد المنذر الانصاري صاحب التوبة المعروفة والمواقف البطولية المشهورة وسيدنا أبوزمعة البلوي من اهل بيعة الرضوان رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكم أن تفخروا يا اهل تونس بوجود هذين الصحابيين الذين جاء توبة احدهما من فوق سابع سماء والثاني كتب لها الرضوان والنعيم الابدي بنص الكتاب العزيز


٣ . ( خضراء ) نعم خضراء هذا هو وصفها ورسمها فإنك أنا اتجهت في تونس لا تخرج من بستان نضر وحديقة غناءه من ساحلها إلى واحات جنوبها مرورا بسهولها وجبالها وانهارها ووداينها .. واذكر أننا في أول رحلة لنا في أخر السبعينات من القرن الميلادي الماضي كنا نسمع اغنية لفريد الاطرش اسمها بساط الريح وهي من كلمات الشاعر بيرم التونسي ، فيها مقطع يخص تونس حفظته من صغري واظن ان اخوانا التوانسه يحفظونه يقول فيه ( بلاد الحور والغلة والزيتون ، تونس أيا خضراء ، يا حارق الاكباد ، غزلانك البيضاء تصعب على الصياد ، غزلان في ( المرسى ) والا في ( حلق الواد) على الشطوط تعوم ما تخاف صيد الماي .
تونس بلد فلاحي من الدرجة الاولى تزرع كل شيء أرض خصبة مباركة اذكر انني في تلك الرحلة القديمة سافرت بالحافلة من تونس العاصمة إلى منطقة سياحية غرب تونس تقع في جبال اطلس يقال لها ( عين دراهم ) اذكر اننا سرنا الساعات الطوال لا ترتفع ابصارنا عن حقول القمح واذكر ان المرشد السياحي كان يخاطبنا في نشوة ونبرة تونسية لطيفة وذلك حين مررنا بمدينة متوسطة لحقول القمح فقال : انكم ياسادة تمرون الان بمدينة ( باجة ) وما ادراكم ما باجة انها مدينة القمح في تونس حتى ان شهرتها هذه جعلت التوانسة يطلقون امثالا شعبية تربطها بقمحها فمن اشهر هذه الامثال المتداولة ( استني يا دجاجة حتى يجيك القمح من باجة ) وهو مثل يضرب لمن وعد وعدا يحتاج إلى مدة طويلة من الانتظار حتى ينجز وذلك لبعد باجة عن بقية المدن التونسية لا سيما العاصمة والساحل . 

٤ . ( الياسمين ) وكنت ساذكره مع الفقرة السابقة لارتباطه بالخضرة إلا أنني افرده هنا بفقرة مستقلة وذلك لتميز تونس به عن سائر بلاد الله فرائحته الزكية تملاء ربوع تونس ولا يخلو بيت أو شارع أو زواية من الياسمين يتزين بها الرجال والنساء والولدان ، عطور تونس الجودة بعينها وبلا منازع ومنتاجات النظافة والزينة والتجميل لا تكاد تخلو من الياسمين ، كان هذا الابيض الفواح لا يفرقني في رحلتي تلك ومن يومها إلى هذه اللحظة وانا من عشاق الياسمين بجميع انواعه واستخداماته

٥ . ( بورقيبة ) وما ادراكم ما ابا رقيبة ، في السبعينات ونهايتها كانت ذروة العصر البورقيبي في تونس ولقد نجح في ربط اسم تونس باسمه في ذلك الوقت شأنه شأن إي حاكم طاغية ظالم ، يظن أن حكم البلاد ملك امه وابيه وفصيلته التي تويه وان النساء لم ولن يلدن مثله ، كانت تونس حين زرتها في العهد البورقيبي قطعت من أوروبا كل شيء في تونس يوحي لك بذلك باستثناء ما ذكرناه من بعض الاثار التاريخية الاسلامية المتمثلة في جامع عقبة وجامع الزيتونة التي قتلها بورقيبها وألغا دورها الريادي الذي ظلت تخدم الامة والانسانية أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان جاء هذا الشقي ليلغي دور الزيتونه ويحولها إلى جامعة علمانية تخرج النطيحة والمتردية وما أكل الكلب إلا من رحم الله ممن سلم من مخطط بورقيبة لمحو هوية تونس الاسلامية ، ثم ان ذلك الحاكم الشقي صدر في عهده قانون الاحوال الشخصية سيء السمعة الذي شرع فيه مالم يأذن به الله ، كما أنه حارب ماظاهر الاسلام والتدين فامر بالسفور وشجع على نشر الرذيلة وانحطاط القيم فوهب للمومسات الوضع القانوني لممارست البغا ، وافتتح ابنه بالتبني أول شاطيء للعراة في بلد اسلامي ، وتحولت في عهد بورقيبة بعض المساجد إلى بارات ومراقص يباع الخمر في محرابها كم حدث في مدينة ( الكاف ) وضاحية ( قرطاج ) وغيرها الكثير الكثر من مخازي ذلك الطاغية الهالك

٦ . ( لطافة ونظافة وطرافة ) اخواتنا واخوانا التوانسة ، لباسهم انيق جدا يعتني التونسي والتونسية بتصميم ملابسهم وتناسقها ونظافتها وطيب ريحها إلى الدرجة التي لو خيروني أي لباس ألبسه بعد لباسي الاماراتي لاخترت اللباس الشعبي التونسي بدأ من ( الشاشية ) الرائعة التي توضع على الرأس مرروا بالجلباب وانتهاء برائحة الياسمين اما بالنسبة للباس النساء التونسيات فحدث ولا حرج، غاية في الروعة والاناقة والانوثة والجمال ولولا خوفي من الفتنة على البعض لوضعت هنا بعض صور الازياء الشعبية النسائية التونسية التي ربما يجعل البعض منا يبادر إلى تونس فإما ان يتزوج تونسية أو أن يجعل زوجته تلبس لباسا تونسيا

٧ . ( الكسكس ) الذي يقف متربعا على قائمة الطعام التونسي بضم الكاف الاولى والثانية وما ادراكم ما الكسكس اذكر انني منذ أن اكلته أول مرة وإلى الآن كلما هزني الشوق إلى تونس وحال الظرف دون السفر إليها اعوضه بالبحث عن أي مطعم تونسي في الامارات فاطلب ( الكسكس ) ، ولا أنسى ايضا ابن عم الكسكس الذي لا يكاد يفارقه وهو طبق ( البوريك ) وارجو انت تعذروني وخاصة الاخوات حيث انني لا استطيع التعريف بمكوناته ، ذلك اني لا احسن الا التمتع بمذقهما اللذيذ ثم لا تنسى إن انت اكلت طعاما تونسيا ان تختمه بحلاوة ( المقروض ) والتي تشتهر بها مدينة القيروان

٨ . ( عويشة ) .... الغناء والموسيقى التونسية مميزة كتميز تونس وأهلها لا سيما وقد احتضنت تونس في وقت مبكر من تاريخيها المهاجرين الاندلسين الذي قدموا إليها بعد نكبتهم وإخراجهم من الاندلس فنقلوا معهم إلى تونس فنون الاندلس وصناعاتها وحرفها في مختلف المجالات ومنها الغناء والطرب والذي ويقف على رأس هذه الفنون فن ( المألوف ) وهو فن اندلسي تونسي محض إذ أنك حين تستمع إلى ( نوبة ) ( مألوف ) تطير بك المشاعر والاحاسيس سريعا إلى حدائق قرطبة والزهراء واشبيلة وغرناطة والحمراء في الاندلس ، وكذلك من الفن الشعبي التونسي التقليدي فن ( المزود ) واذكر انني في تلك الايام الخوالي استمعت إلى ايقاعات ( مزود ) اغنية شعبية تونسية مشهورة في تونس اسمها ( عويشة ) ذلك أن اغنية عويشة تفعل في سامعها ما يفعلها التيار الكهربائي إذا لمس احدهم سلكا مكشوفا أو قل إن ايقاعات هذه الاغنية تصيب المرء باحالة من حالة الزار المتأخرة . حتى أني تمنت ان اعرف من هي هذه ( المفعوصة مقصوفت الرقبة ) عويشة وماهي قصتها و التي تجعل التوانسة يرقصون ويطربون لما قيل فيها من شعر وغناء . تقول كلماتها طبعا باللهجة التونسية ( يامولاة الزين البرقي يا عويشة ، كيفك شرقي والا غربي ، يا عويشة ، محلى حزامك والمخنوق يا عويشه ، نستنأ وقتلني الشوق يا عويشه ، عويشه عويشه عويشه ، رنة الخلخال تعجبني ياعويشه ، الحنا والوشم يعذبني ياعويشه ، عويشه عويشه ) إلى آخر ما فعلت عويشه بعاشقها وبنا

هذا ما يحضرني الان عن تونس وعن زيارتي الاولى في صيف 1979م من القرن الماضي ، ولقد زرتها بعد ذلك عدة مرات وفي كل مرة اجدها كما هي معشوقت صباي والحبيبة التي تعرفت عليها منذ انا كنا صغيرين ... كما قال مجنون ليلى عندما سئل متى عشقت ليلى فاجاب :
تعلقت ليلى وهي ذات ذوائبة .... ولم يبدو للاتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت ..... اننا إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم
البهم : صغار الغنم 

شارع بورقيبة ويظهر في يسار الصورة فندق الهناء انترنشونال والذي نزلت فيه عام 1979م


جامع عقبة بن نافع في مدينة ( القيروان )




مدينة ( عين دراهم ) تونس



مدينة سيدي بوسعيد


ميناء القنطاوي مدينة سوسه 








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق